هل الساحر يستطيع قلب حقائق الأشياء؟
فتوى رقم : 24137
مصنف ضمن : الإيمان
لفضيلة الشيخ : سليمان بن عبدالله الماجد
بتاريخ : 10/04/1445 05:30:57
س: في تفسير ابن كثير (ج1، ص 1477) ما يلي: (وأما أهل السنة فقد جوزوا أن يقدر الساحر أن يطير في الهواء ويقلب الإنسان حماراً والحمار إنساناً، إلا أنهم قالوا: إن الله يخلق الأشياء عندما يقول الساحر تلك الرقى والكلمات المعينة؛ فأما أن يكون المؤثر في ذلك هو الفلك والنجوم فلا، خلافاً للفلاسفة والمنجمين).
هل هذا الكلام يفهم منه أن الساحر يستطيع هذه الأعمال بإذن الله؟ وما هو ضابط ما يقدر عليه الساحر وما لا يقدر عليه؟
ج: الحمد لله أما بعد .. فإن في تأثير الساحر في حقائق الأشياء خلافا بين أهل العلم ، والصحيح أنه لا يؤثر فيها، ولهذا كان من أعظم السحرة ِ سحرةُ فرعون ، ومع ذلك قال الله عز وجل عنهم: "يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ".
وأما عصا موسى عليه السلام فقد قلبها الله عز وجل ثعبانا حقيقة ، ولهذا حين رأى قوم فرعون ذلك ألقي السحرة ساجدين ؛ لأنهم رأوا أن هذه حية حقيقية وليست من تخييلات السحرة.
وما ذكره الإمام ابن كثير رحمه الله هو قول لطائفة من أهل العلم، لكنه مرجوح ، والصحيح ما ذكرناه، فإن الله عز وجل هو الذي يبدل حقائق هذه الأشياء، وليست ذلك لأحد من خلقه.
ولهذا قرر البغوي رحمه الله في تفسيره أن السحر قد يؤثر لكنه بالتخييل لا بقلب الحقائق في نفسها ، ورد قول القائلين بأنه يؤثر في قلب الأعيان فيجعل الآدمي على صورة الحمار، ويجعل الحمار على صورة الكلب. وقال بأن الصحيح أن ذلك تخييل، قال الله تعالى: "يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى" وقرر أن تأثيره على الأبدان إنما هو مثل الكلام الذي قد يكون له تأثير في الطباع والنفوس ، وقال بأن الإنسان قد يسمع ما يكره فيغضب وربما يـُحَمُ منه [من الحمى] .. وذكر بأنه قد مات قوم بكلام سمعوه، وأنه بمنزلة العوارض والعلل التي تؤثر في الأبدان. هذا كلام البغوي بمعناه وأكثر ألفاظه.
وما ذكره البغوي هو الحق وهو المقطوع به واقعا ؛ إذ لو كان السحرة يحيلون الحقائق لحكموا الكون ، ولحازوا نفيس المعادن من الذهب والفضة والماس ولبنوا القصور في لمح البصر خسئوا واستحسروا عن ذلك، ولهذا كانوا أحقر الناس وأرذلهم وأكثرهم فقرا، وإنما تروج أحوالهم الكاذبة على الجهال وضعفاء العقول. والله أعلم.